كانت الشمس تسطع في القبة الزرقاء وكانت نسيمة تجلس أمام بحر هادئ تفكر في دوامة من المشاكل اليومية، كانت الأمواج تتراقص أمامها ببطء وكأنها تهمس لها بأسرار البحر.
أخذت نسيمة نفسًا عميقًا وشعرت بنسيم البحر يلامس وجهها بلطف، وكأنه يحاول أن يخفف عنها ثقل الأفكار التي أثقلت صدرها. تأملت السماء التي بدت كلوحة زرقاء واسعة، تزينها سحب بيضاء متناثرة، تذكرها بأحلامها القديمة التي ضاعت وسط زحمة الحياة.
في لحظة صمت، شعرت بحركة بجانبها، فالتفتت لترى طفلاً صغيرًا يبني قلعة من الرمل ويضحك ببراءة. ابتسمت نسيمةرغماً عنها، وكأن ضحكة الطفل نجحت في اختراق جدار القلق الذي أحاط بها. رددت في داخلها: “الحياة بسيطة أحيانًا، ونحن من نعقدها بتفكيرنا المتواصل”.
نهضت من مكانها وسارت حافية القدمين على الرمال الدافئة، وشعرت بطاقة جديدة تسري في جسدها. أدركت أن البحر، بأمواجه المتتالية التي لا تتوقف، كان يعكس روحها التي يمكن أن تهدأ وتعاود السكون، مهما كانت المشاكل التي تواجهها.
وفجأة رأت أمامها شبحا كأنه وحشا ضاريا يروم البطش بها يحذق فيها بعينين غارقتين غامضتين تسارعت دقات قلب نسيمة وهي تحدق في الظل المقترب منها، شعور مختلط بين الخوف والغضب سيطر عليها، لم تستطيع نسيمة أن تفهم من نظراته مغزى العبارات المتحجرة على شفتيه أتدرون من كان ذلك الوحش؟
لقد كان زوجها السابق والذي عاشرته مدة لا تقل عن عشرين سنة قبل انفصالهما جاء ليعيد الزمن كرة أخرى لكنها لم ولن تستطيع نسيان آلامها وجراحها…
كانت تلك السنوات العشرين مليئة بالصراعات والأحلام المجهضة، تحملت فيها ما لا يُطاق، إلى أن قررت أن تتحرر من قيودها.
والآن، عاد الماضي ليقف أمامها بجسده الصلب ونظراته القاسية….
تقدمت خطوة إلى الخلف وهي تشعر بالرمال الباردة تحت قدميها. أخذت نفسًا عميقًا لتواجه ذلك الوجه الذي عرفته جيدًا. لم تكن تلك الفتاة الضعيفة التي كانت تخشى المواجهة، بل كانت امرأة قوية صنعت نفسها من رماد الألم.
قالت بصوت ثابت، رغم اضطراب قلبها و مشاعرها : “لم أعد تلك التي تعرفها.
الله و البحر والشمس والسماء الكل يشهد على ما مررت به برفقتك، وأنا الآن أقوى……
وللقصة بقية تابعونا .
ناديا فتح الدين