وفي ليلة هادئة ،كان الجو رخوا بليلا والنجم الزهر يلمع في القبة الزرقاء ، وكانت ترتدي حلة بيضاء تتمشى بين حقول من الأزهار رائحتها تفوح بعطر الخزامى والياسمين تسمع بين الفينة والاخرى غناء الجنادب وتغاريد العنادل ، وفجأة أفزعها صوت رهيب عكر الصمت الذي كان يرون ، كان صوت القاطرة التي جاءت لتخرجها من عالمها الخيالي ، وذكرياتها المسجونة في أعماقها لتأخذها الى أسطورة الواقع المرير ، صعدت القاطرة وأخذت مكانها بين ركاب لا وجود لهم ، وبكت بصمت الحزين وهي موقنة تماما ان لا احد يسمع بكاءها وأنينها ،،،،،،،،
وبينما هي في مكانها شاردة اللب سارحة ببصرها في فراغ مظلم , كانت القاطرة تسير بسرعة فائقة مصدرة على طول الطريق صفيرا مدويا , تاركة ورائها دخانا أسودا وضوء عينيها ينير طريقها في الظلام الدامس , تدخل بين الفينة والأخرى آنفاقا مرعبة مظلمة وليس لها محطات للراحة كباقي القاطرات ، لينزل ركاب ويصعد آخرون , فهذه القاطرة راكبتها وحيدة وواحدة , فجأة لاح لها في الظلام الحالك أشباح صامتة محدقة تنظر اليها بازدراء كأنهم أشباح ركاب , فبدأت تلتفت يمينا وشمالا تبحث عمن يحاورها من بينهم فخانتها عبراتها المتكسرة ونظراتها المتحجرة , وفضلت الاستمرار في الصمت , كان هاجسها الوحيد أن لا تخرج القاطرة عن سكتها المحددة وهي تسير بأعلى سرعة , وألا تصل بها الى نقطة النهاية بل تظل مستمرة الى الأمام بلا توقف في طريقها الدامس .
مضت الليالي كأنها لحظة نوم وهي في سبات عميق .ورغم سلبية المكان والزمان في سواد قاتم ,كان لا بد للليل الدامس أن ينجلي وتنجلي معه كل الأشباح المهولة وكان لا بد للصبح المشمس أن يطل بطلته البهية لتطل معه كل الأماني المشرقة…. فهذف هي الحياة مهما طال الظلام لا بد لليل ان ينجلي ولا بد للأحزان أن تزول .
فاستفاقت الحزينة من سباتها على لمسات خيوط الشمس الذهبية التي اخترقت حاجز العتمة لتنيره وتداعب وجهها البريء فتزرع فيه الحياة من جديد ولتحيي الابتسامة الميتة على شفتيها المتحجرتين وتشعرتها بدفئ وحنان أنسوها برودة وقساوة تلك الليالي الصاقعة , فاسترجعت كل أمالها الضائعة والمفقودة مع طلوع شمس ذلك الصباح البهيج بكل ألوانها المختلفة فلم تستطع إيقاف عبث أنامل الخيوط الذهبية المتسلقة إلى خصلات شعرها الميت لتحييه من جديد واستسلمت لهذا العالم الجديد بكل دفئه وحنانه وطمأنينته ……
و اليوم أصبحت للحياة عندها نكهة بطعم الأحلام الوردية, إنه صباح يعج بنسمات الفرح بعد أن تلاشت كل الليالي الحزينة ومر الزمن فيها كومضة برق …..وفي طريقها مرت القاطرة على بلدة جميلة فيها أمن وسلام وشمس نورية وحدائق وأزهار وردية وبيوت مرجانية , صيفها كشتائها وكل أمانيها خريف أخضر ….لكن القاطرة لم ولن تتوقف عندها فهي ماضية في طريقها إلى حيث توجد المدينة الفاضلة بكل معانيها ، حيث لا حدود فيها للحب والإيمان وراكبتها الوحيدة تطوق شوقا ….حد الشوق لتلك المدينة……….وتستمر القاطرة في طريقها مضيا الى الأمام…
ناديا فتح الدين
تحياتي
ماشاء الرحمان
تبارك الله